Friday, May 11, 2007

!!! هذيان

لحظة استسلام غامضة تسيطر عليك ... تختلط الأفكار في ذاكرتك المنهكة ... تحيلها إلى معترك دامي لقرارات خطيرة ... الحل الأمثل هو التحرر من أسر هذه الأنثى ... أهرب إلى البحر ... إلى الخمر ...إلى امرأة أخرى ...
المكان الذي أقيمت فيه الحفلة كان رائعاً ... يتصاعد رذاذ الموج أعلى جدار المسرح الخلفي ... يختلط بالأضواء الملونة المنتشرة على جانبيه ... سحب الدخان ترتفع أيضاً إلى الأعلى فتحملها الرياح نحو الأضواء في مشهد خلاب ... صدحت الموسيقى ، فمنحها صوت الموج و الريح و مفعول الخمر أثراً خاصاً في النفس ... إنس كل شيء الآن ... لا تترك لروحك الضائعة أن تجمح إلى تلك البقاع المظلمة ... النهاية ستأتي قريباً و ستكون فاترة ، كئيبة ...
أترك لأحصنة الخمر أن تعيث في جسدك ... و دع أسماكها المتوحشة تسبح في دمك
عيناك تأكلان المكان دون أن تستقر على شيء محدد ... النساء الجميلات اللاتي ملأن المكان لم يثرنك ... كنت تستجيب لنداء مجهول يقودك إلى صحاري النسيان ...
فجأة وفي لحظة غريبة غامضة ، رأيتها تنتصب أمام عينيك كوميض خارق ... يا الله
لا يمكن استيعاب هذا الذي يجري ... أي شيء آخر ربما يكون منطقياً و مقبولاً إلا أن تراها في هذا المكان العابق برائحة الخمر و الفوضى و الجنون
لا يعقل هذا الذي يحدث الآن ...تهرب من خيالاتك المجنونة ، ومن تفكيرك المضني بها لتجدها أمامك هنا
من جديد تمارس الحياة لعبتها السمجة معك ... تسخر بعبثيتها القاتلة من مشاعرك و رغباتك و تفشل كافة حساباتك ...
تبخرت الخمر من رأسك ... قلبك يرقص فرحاً وحيرة وتساؤل... لا يمكن أن يكون هذا عشقاً عادياً ... إنه عبادة ، جنون ... جئت إلى هذا الحفل الصاخب تحمل إصراراً بحجم الجبال على نسيانها و لو ليوم واحد ، لليلة ، لساعة واحدة ... فتجد قلبك قد حملها معه و أطلقها في فضاء روحك طيراً أسطورياً رائعاً ... لتشاركك هذيانك في هذا المكان المجبول بالفوضى و الفرح الخائف
المسافة بينكما لا تتعدى العشرة أمتار ... نهضت متردداً ... استأذنت من صديقك مدعياً أنك تريد تحية بعض الأصدقاء ... تقدمت من خارطة وجهها الملائكي ...
الأمتار القليلة تتسع ... صحراء شاسعة ، عارية لا حدود لها... قدماك تخونانك ... قوى خفية تشدك إلى الخلف ... ضاقت المسافة ... حدقت في وجهها من مسافة قريبة ...
انتفض جسدك وقد صعقتك المفاجأة ... تلعثمت ولم تدرِ ماذا تقول ... اعتذرت بكلمات مبعثرة ... كنت أشبه بصفصافة تعاني خريفاً أحمق
_ آسف جداً ... اعتقدت أنك ... شخصاً آخر
ارتميت في مقعدك مكسوراً ، وسط ذهول صديقك الذي عقدت المفاجأة لسانه لتصرفك المريب ... جلست للحظات متجمداً غائباً ... شعرت بشماتة قاهرة و توسلت من صديقك مغادرة المكان فوراً


!!! طبيب و شاعره









حين قدمه مدير الندوة بلقب " دكتور " اعتقدت أنه دكتور في النقد الأدبي ... أسلوبه في نقد الرواية كان مثيراً مبدعاً ... و فوجئت في نهاية الجلسة بأنه طبيب ... لم يكن هذا مهماً _ على الأقل في البداية _ تعرفت عليه و أهديته ديواني الشعري الأخير ... شكرني بلطف و طلب مني أن أكتب اهداءً على الصفحة البيضاء ... لم أدري ما الذي دفعني للقول :
الأعزاء لا يكتب لهم إهداء... لأنهم سيجدونه بين سطور الكتاب!
رمقني بإعجاب ، فارتبكت قليلاً ثم تمالكت نفسي و بادلته الابتسامة محاولةً أن تكون مثيرة !
اللقاء بيننا كان رائعاً ... فهذه هي المرة الأولى التي أقترب فيها من طبيب ... وربما تكون المرة الأولى التي يتعرف فيها إلى شاعرة ...
لم يشكو من زوجته _ كما هي عادة الرجال دائماً _ ... فاجأني بالقول بأنه يحبها جداً و لا ينوي تركها تحت أي ظرف من الظروف ... كما صرح بحبه لي ... وأحببته ... لا أستطيع أن أنكر هذا رغم كل ما حدث فيما بعد ...
كان يمتلك شقة فاخرة في المدينة ... ثراؤه لم يكن بسبب مهنته المميزة ... بل لأصوله الأرستقراطية و امتلاكه لعشرات الدونمات من الأرض التي ورثها عن والده ...
قدمت له نفسي ... كنت أبحث عن رجل يعيد اكتشافي من جديد... رجل يصل بفكري و أحاسيسي إلى مناطق نائية لم أصلها من قبل ! و يجعلني في حالة شوق و حنين دائمين ...
لا أعلم هل كان يفحصني كمريضته ... أم أنه تعامل معي كجثة مسروقة من مقبرة و جلبها إلى المشرحة ليجري عليها دراساته...
و في لحظة العري تلك ... تخيلته يحمل سماعته و ينقلها بحياد قاتل فوق صدري لينصت بحياد إلى نبضات قلبي ... انتهينا بسرعة ... تأملت جسده و هو يرتدي ملابسه بسرعة ... وتخيلت من جديد أنه سيفتح دفتره الخاص ليكتب لي وصفة طبية !
غادرني و طلب مني إغلاق الشقة و الاحتفاظ بالمفتاح معي ، ولم ينسَ أن يوصيني بشرب الكثير من السوائل !
لعلها المهنة التي يمارسها ... حتى في الفراش أراد أن يكون طبيباً ! و إذا أضيف إلى هذا أصوله الأرستقراطية ، فلابد أن يكون المركب حالة نادرة تستعصي على الفهم و الإدراك ...

لكني شاعرة ، و الشاعرة في مجتمعنا هذا حالة نادرة أيضاً ... لدي من الإمكانيات ما يفوقه بكثير ... لماذا أحشر نفسي في هذه الزاوية المظلمة ؟ سأعود إلى صحراويتي و بداوتي وسألقنه درساً لن ينساه ...
التقيته عدة مرات ، لكني رفضت اللقاء به في شقته لعدة أيام ، ثم بدأت أقلل من ردودي على مكالماته الهاتفية حتى توقفت عن ذلك تماماً ... و علمت فيما بعد كم كان يحبني ... علمت بأنه قد انقطع عن دوامه في المستشفى ... ثم توقف عن الذهاب إلى عيادته الخاصة ... أرسل لي إحدى الصديقات ، لكني لم أستجب ... مرّ بسيارته من شارعنا ، لكني لم أعره اهتمام ... كنت أشعر بحنين جارف إليه ... لكني كنت أفرغ هذا الحنين على الأوراق ... ألم يقولوا بأن الورق مطفأة الذاكرة ؟ !
أيام طويلة مضت دون أن أراه ، و جاءت اللحظة الأكثر ألماً ، الأكثر جنوناً و سخرية ... رأيته يهبط من سيارته قرب منزل إحدى العرافات ... صعقت و أحسست بمعنى الخراب الجميل... كان يجب أن يعلم بأن العشق يلغي المسافات و لا يعترف بثقافة أو شهادة أو ثراء ... ها هو الطبيب يموت ... "أما نحن الشعراء فلا نموت أبداً ... لعلنا نتظاهر بالموت فقط

* * *


Tuesday, May 8, 2007

!!! شروق

! لقهوتكم مذاق الدم ... فهي لحظة انبعاث شرفكم المزعوم ... أغبياء ! قتلة
نماذج رائعة للعار ... أتضحكون ؟! وصلتم أخيراً إلي واحة الشرف ، أعلى تلك الدروب الوعرة ؟ هكذا تظنون إذن ؟
اضحكوا ، فالحزن لا يليق بكم ... وجوه قبيحة ... لا ... ليست تلك بواحةٍ للشرف ... هويتم إلى هوة سخام سرمدية تتجمع فيها كل أوحال الحياة
حمقى ! تهيأوا إذن لمفاجأتي ... اعلموا أن أول قبلة من أنثاكم الطاهرة كانت لي ... لهذه الشفاه المتشققة ... كانت قبلة أولى ولم تنته بعد ! حملقوا كما تشاؤوا ... أرأيتم كم كنتم حمقى ؟ !
أنا الجدير الأوحد بالحزن عليها ... أخرسوا زغرودة الموت هذه ... لا تعكروا صفو موتها...
شروق ... آآآآآه ... سلموا أنفسكم لعدالتي ... لا تبتهجوا كثيرا لبطلكم المزعوم ... رأيته بالأمس يحمل سكيناً يقطر مسكاً ، ويسلم نفسه لمركز الشرطة المجاور ... صحيح أن رأسه كانت مرفوعة . لكن قلبه كان ميتا ... و رأيت عمامته تسقط ... لا تغتروا لابتسامته الأخيرة ... لم تكن حقيقية ... أنا الذي أعلم بما كان يشعر به حينئذٍ ... ألم أقل لكم أن أول قبلة تمنحها شروق كانت لي ... لي أنا ؟ !
أذكر بطلكم هذا أيام معارك الشرف الحقيقية ... جبان ... ظل ساكتاً متسمراً حتى يحضر الحراس السيف ليقطعوا رأسه !
كان أجبن حتى من أن يهرب ... و حينما انتهت تلك المعارك ، رأيته أول من يسترخي ... استرخى كل شيء فيه ... وضبطته إحدى الأجهزة الأمنية متلبساً بغلام ... و أغلق الملف سريعاً خوفاً من الفضيحة ... خرج يومها مجللاً بالعار ... فهل يحيله دم شروق إلى بطل ؟ ! أهو من جلب لكم شرفكم المفقود بطعنة لئيمة في قلب شروق ؟ !
اشربوا قهوتكم يا سادة ... صبوا المزيد منها و ابتسموا لكل من يأتي لمجاملتكم ... لن تخدعني ابتساماتكم ... فأنا أدرك أية أفكار تراودكم الآن ...
اشرب أيها الكهل العزيز ... أنت الأجدر باحتفال الموت هذا... لا تترك أحداً ينوب عنك في استقبال المهنئين ... لا تتنازل لأحد عن هذا الشرف العظيم ...
وأنت ! ابن عمها ؟ ! ارفع رأسك عالياً ... أعلى ... أعلى من ذلك ... امش بتبجح بين المهنئين بموت شروق ... إنه مهرجان المبايعة و التأييد ... أعلم بأن طعنتك كانت الأولى و القاضية... طعنتها و تركت لبطلكم المزعوم أن يكمل المهمة... أنت الأجدر بدور البطولة من ذاك الأرعن ...
اشرب قهوتك العاشرة أو العشرين و دخن سيجارتك الألف ثم ابكِ في حضن زوجتك كطفل مذعور ...
و أنتم أيها المتفرجون .... ترددوا على الصيوان بين الحين والآخر ... هنا ستجدون ما تقولون ، و تتسلون به في أوقات فراغكم الطويلة ... هنا الإثارة في زمن بليد متحجر ...
هنا ستعلنون تمسككم بوصايا الأموات و تجددون البيعة لجثث متعفنة تحكمكم منذ قرون !
اشربوا المزيد من القهوة السوداء ، ثم عودوا إلى بيوتكم بما تتحدثون به إلى زوجاتكم المذعورات ... لعل فروج البقر المتسخة تستقبل أعضاءكم الذابلة !
كان يجب أن تصحبوا نساءكم معكم ... هكذا يكتمل الطقس المقدس ... كان يجب أن يلعقن من دماء شروق قبل أن توارى الثرى !
و أنتم حراس الجريمة ... ما علاقة الأزرق الذي تتدثرون به بلون البحر أو السماء ؟ ! لم غبتم عن المكان في تلك الساعة اللعينة ؟ ! اشرب قهوتك أيها الضابط الأحمق ... لا تختلس الحديث سراً مع عمها العجوز الخرف ...
تواطؤ ... تواطؤ ... تواطؤ ...
غبتم عن قصد ، و تأخرتم في الحضور عن قصد ... الزمن الفارق بين دعوتكم ووصولكم هو بالضبط ما احتاجه القتلة ... الضربات كانت قاسية ولم يتركوا للصدف أن تعابثهم ...
أما كان بالإمكان تجاوز كل هذا الذي حدث ؟ لماذا فرضتم عليها الزواج من ذاك المقبل على الموت بين لحظة و أخرى ؟
استكثرتم أن ينعم بجمالها أحدٌ من خارج القبيلة ... و حين حسم زوجها خياره بالرحيل ، تحررت من جديد ... موت البعض حرية لآخرين ! عاشت عقداً كاملاً في حالة غروب ... وعشقت ... عفواً أصحاب الطقس البدائيّ الرهيب ... لا أجرؤ أن أعلن هذه الكلمة الخبيثة في حضرتكم ... لقد أشركت بالله ... سنتان و هي تمارس الشرك مع إلهها الجديد ... علمتم ذلك مبكراً ، لكنكم تواطئتم بالصمت المشبوه ... كنتم تتهيأون لطقوس الموت القادم ...
قابلتها قبل رحيلها بأيام قليلة ... كانت تهيئ بيتها الصغير لشهر رمضان ... و حين لمست كفها البيضاء كفي الخشن ... ارتعشت ، و شعرت بالموت يحيط بنا ... رائحة الموت طافت فوق رأسينا سحابات سحابات ، ثم تخثرت وانهمرت دموعاً من عينيها الخضراوتين ...
كدت أحتضنها في السوق أمام الجميع ... أحسست أن كل خطوة تخطوها ، تقربها من موتها ... راقبوها من بعيد ... رأوها تتوقف لمصافحتي ... لم يجرؤ أحدٌ منهم على مساءلتي... حياني بطل الشرف القادم بابتسامة خبيثة و تبعها بسرعة ... رأيت الموت في عينيه ، فما كان لمثلي أن يمرّ بالموت دون أن يحسه !
و لم أفاجأ بالخبر ... انتظرت حتى انتهوا من إجراءات الدفن السريعة ، و تسللت إلى المقبرة وحيداً ... جثمت أمام قبرها ... منحتني ذات مراهقة أول قبلة في حياتها ... اسمحي لي أن أمنحك آخر قبلة ... لم أدر كم مضى من الوقت ... جرجرت ساقيّ بين القبور ... و أمام بوابة المقبرة توقفت ... بصقت ورمقت قبرها للمرة الأخيرة ... لقد استحقوا منك بصقة كبيرة... أتركي لي هذه المهمة يا شروق ..
وقررت الذهاب إلى " مهرجان الشرف الكبير" ... شربت قهوتهم جميعاً ... كان يجب أن أذهب إلى هناك ... لم يكن هدفي العزاء كالآخرين ... بالعكس ... كان يجب أن يكون وسط هؤلاء المحتفلين من يشق إجماعهم المتآمر

* * *

Saturday, May 5, 2007

CAN I GET ONE ?!

Frozen not for form the cafeteria .. watching other kids hurrying to buy their sandwiches , chocolates and sweets. Her finger was busy with her lips but her tender mind wasn't a way of what was going around .Hearing them shouting with joy in the playground awakened her senses and hammered her small head with a series of questions …
" Rose " felt a great need to release something , she remembered that the only one who could listen to her was that poor tree she used to lean her back at .
_ " how does that strange thing taste ?" she whispered pointing to chocolate!
" Don't forget that you are the only witness that never left this place !" the old tree responded .
Pause , then added :" Why don't you try one ?"
Kissing her lips with her dry tongue !.
She moved towards the cafeteria with a step forward and the second back .
Rose " never met such products , but her small , wet hand caught the nearest .
Back to her old friend , a kind shouted :" A thief ! "
Frozen in the middle of the way , the kids came around … spoke with their eyes … there was a decision !
_ We asked her to take one since we a greed to play !
" Rose " smiled , but couldn't hide her tears .
_ Can I share it with my " old friend ?" she asked
" You are kindly welcome to share it with us ".

* * *

JUST GIVE ME A CHANCE!!!

He was the hero of that repeated daily scene…Climbing the stage with his untidy hair and clothes, deep and rainy eyes…His weak body receives a lot of strong shots from the teacher who leads the morning assembly of students. None around could read between the lines written on his small rough face!
Faddy…accustomed to both stealing and punishment…His silence was impressive…He could be as he is and defends himself as often!
One day boys who are in charge of discipline at school were pushing him towards the teacher…he didn’t like the way they treated him.. Still influenced by the environment of jails where he spent four years!
-leave him! The teacher ordered them
A lone with the child in his office…
-what have you committed?
Again the child moved no lips!
-feel free with me …I promise to protect you regardless what you have done!
I stole a piece of bread from my mate!
He said quietly but challenging!
- why did you that?
- I was hungry! You are the only person to ask me a such question!
Hungry?!!! The teacher was deeply shocked and he decided to follow his problem as a personal case!
-but you can bring your piece of bread with you like others.
A gloomy look mixed with sorrow and he kept silent!
The teacher felt that a black cloud was moving slowly round the child's busy head!
He repeated his question.
-I cant bring a piece of bread since my fathers wife closed to close the kitchen and hides the key!!!
Deeply the teacher involved in the same gloomy atmosphere. He decided to follow this case inside and outside the walls of school!!!
The most majority of students where astonished when they saw Fady among the discipline committee students at school two days later!!!
But the teaches astonishment was greater a week later when they saw Fady/the bread thief/rushing into their room, carrying a golden watch in his small hand and shouting:
-Teachers! I found it during coming to school this morning!!!

Wednesday, May 2, 2007

!!!!!!!!! اقتحامان

* الأول :_
كان الاشتعال شاملاً ولا أحد يمكنه قراءة ما ستئول إليه الأوضاع … حاصرت المدرسة قوات كبيرة من جنود الإحتلال عددٌ منهم جلسوا فوق سور المدرسة مدججين بالأسلحة و الهراوات … و داهمت مجموعة أخرى باحة المدرسة … اعترضهم الناظر و عدد من المعلمين في محاولة يائسة لمنعهم من دخول الفصول … لم يعيروهم أي اهتمام … أخبروا الناظر بأن هناك طالب يدعى " طارق " ألقى حجراً عليهم و شج رأس أحد الجنود … و هددوا بأنهم لن يغادروا حتى يعتقلوه مهما كلفهم الأمر …
انسل أحد المعلمين باتجاه أحد الفصول مسرعاً ... أمسك " طارق " من ذراعه و سحبه نحو المكتبة و هناك أخفاه في إحدى الخزانات …
لم يترك الجنود مكاناً لم يفتشوه … تأملوا وجوه الطلاب واحداً واحداً … وانتقلوا من فصل لآخر بهمة و إصرار … وصلوا إلى المكتبة في نهاية الرواق … تسمر المعلم في مكانه و بدأ يبتهل إلى الله بصمت كي ينقذ "طارق" و يعمي عيونهم عنه …
حطموا كافة أبواب الخزانات حتى عثروا عليه مكوماً في إحداها و قد غرق في عرقه البارد !
انتزعوه بعنف و هجم عليه أحد الجنود و بدأ يضربه بقسوة … لم يطق المعلم صبراً … هجم على الجندي الذي كان يلف رأسه بشاش أبيض … دفعه جانباً واحتضن الطفل بجسده … كاد جنود آخرون أن يطلقوا النار عليه لولا تدخل الضابط الذي لذ له المشهد … تقدم بهراوته وشج بها رأس المعلم ثم انتزع جسده عن الطفل وطرحه أرضاً لينهال عليه عدد من الجنود بالضرب المبرح … اعتقل الطفل في معتقل " أنصار 2 " ثم أفرج عنه بعد دفع غرامة مالية كبيرة … وظل الشج العميق أعلى عين المعلم اليمنى ذكرى أليمة تذكر الجميع بذلك الاقتحام الهمجي لسنوات طويلة !

* الثاني :_
بدت الهزيمة شاملة أيضاً … الإنحدار يطال كل شيء … الأيادي الغليظة التي تبني العالم الجديد تواصل بشاعتها وغيِّها … عدد الأطفال العراقيون الذين يموتون جوعاً وبرداً و مرضاً يتضاعف ولا ذنب لهم إلا أنهم ولدوا في زمانٍ ومكانٍ خاصين !
خرجت الجماهير في تظاهرات حاشدة لتعيد إلى الأذهان فوراً ذكريات الانتفاضة الأولى … عدة سنوات مضت تحولت الانتفاضة خلالها إلى مجرد ذكرى غابرة … جزء من تاريخ مهمل يجري تشويهه !
تدافع الطلاب خارج المدرسة و هم يهتفون للعراق… ارتفعت بعض الأعلام العراقية و الفلسطينية التي كانت مخبأة في حقائبهم استعداداً للتظاهرة … تجمعوا في الساحة لينظموا صفوفهم قبل الخروج إلى الشارع العام …
تحسس المعلم آثار الشج العميق أعلى عينيه … وتذكر ذلك الاقتحام الهمجي … لازال الجرح يزين جبهته كقلادة فريدة… تابع بعينيه المغرورقتين بالدموع ، الأطفال و هم يعبرون عن رفضهم لعالم لا يتقن إلا صناعة أكفانهم!
و قبل أن تصل المسيرة إلى الشارع ، اقتحمت المدرسة عدة سيارات من شرطة مكافحة الشغب … هبط الرجال المسلحون بالهروات و الدروع … بدأوا بالصراخ في وجوه الأطفال عبر مكبرات الصوت طالبين عودتهم إلى فصولهم … و تطاول بعضهم ، فاعتدوا بالضرب على عدد من التلاميذ الذين أخذتهم الحمية و قرروا التصدي لهم …
ورآه ! ذهل وتقدم نحوه مشدوهاً !
كان يتزين بهراوة كبيرة و يتنقل بين الطلاب بخفة ونشاط… مادت الأرض تحت قدميه …
_ طارق ! تمتم بصوت ذاب وسط الصرخات التي ملأت المكان … اقترب منه حتى صار إلى جواره تماماً … ربت على كتفه … فوجئ الأخير به أول الأمر ، ثم بادره بصرامة وحدة أربكت المعلم :
_ نعم … أية خدمة أستاذ ؟ !
_ ما هذا الذي تفعلونه ؟ أتركوهم ليعبروا عن رأيهم !
_ نعم ! ماذا تقول ؟ أنت من يحرضهم على الشغب إذن !
تراجع المعلم مصعوقاً لهذا التجاهل و البرود …
انسل بين المحتشدين و توجه إلى المكتبة … تحسس الشج العميق … داهمه ألمٌ غريب في رأسه … شعر بأن الجرح يتقرح و يتسع و يتعمق … داهمته فكرة أرعبته … ثمة هوة سحيقة بين زمنك و بين هذا الزمن اللعين …
تحسس الجرح مرة أخرى ثم بصق بمرارة … بصق و كأنه يبصق تاريخاً بأكمله !

* * *

Tuesday, May 1, 2007

!!! احتفاليه لم تتم

بدا متألقاً بين أقرانه ... مشاعر بطولة تدغدغ أحاسيسه و تجعله ينظر إليهم بشيء من الاستعلاء ... و بأن أي خطأ مسموح به له نظراً لحالته الخاصة ... كل من حوله يعلم بقرار الإفراج عن والده السجين منذ ثماني سنوات في السجون الإسرائيلية ...
تسعين شهراً و هو يزوره هناك ، ويحلم بذاك العالم المغلق الغامض ... لم تكن أحلامه تنتهي مع قدوم الصباح ... ينقلها إلى زملائه مبالغاً في وصف أحداث و حكايات هي وليدة خياله فقط ... و لكي يضفي نوعاً من الصدق عليها ، كان ينسبها إلى والده أو إلى رفاقه في السجن!
ومع كل زيارة كان والده يبادره بالقول :
_ صرت رجلاً !
وفي إحدى المرات فاجأ والده بالسؤال :
_ هل تكبرون مثلنا داخل السجن ؟ ! و أثار هذا السؤال نقاشاً فلسفياً طويلاً بين المساجين .
اقترح أحد زملائه في الفصل جمع مبلغاً صغيراً من كل طالب لتزيين الفصل ابتهاجاً بحرية والده ...
لم ينم طوال الليلة الأخيرة ... " أخيراً سيتوقف هذا العناء ، وسيصبح لي أب مثل الآخرين ... سأطلب منه أن يشتري لي جميع الألعاب الموجودة في مكتبة الرائد ... و سأطلب منه أن يصطحبني إلى مدينة الملاهي التي يذهب إليها صديقي رامي مع والده كل يوم جمعة ... وسأجعله يجبر والدتي على التوقف عن الذهاب إلى مركز التموين و تسول الطحين و السكر والأرز ... ولابد أنه سيشتري لي ملابس جديدة بدلاً من هذه الملابس المهترئة التي تحاول إخفاء مصدرها عني ... سيتقدم منه المعلمون ليحيونه باحترام ، و سيجتمع زملائي في مكان قريب و ينظروا إليه بهيبة و يشيرون بأيديهم و عيونهم إلينا ! "
تراكضت الأفكار في رأسه الصغير حتى غدا النوم مستحيلاً ...
عند النقطة الحدودية الشمالية لقطاع غزة ... تجمع الأهالي من مختلف المدن و القرى والمخيمات لاستقبال أبناءهم المحررين... تأمل الوجوه القلقة ... رأى أطفالاً ينتظرون مثله... أحس بشيء من الغيرة لأن هناك من يشاركه نفس الفرحة ...
استبعد هذا الشعور و بدأ يتنقل بخفة و رشاقة بين الجموع المحتشدة ... يتعرف عليهم و يمازحهم و يشاركهم شتم أصحاب هذه الوجوه الحاقدة الذين يطوفون حولهم بخوف و حذر شديدين...
وصل الفرسان ... ترجلوا من الحافلات كجنود منتصرين عادوا بعد حرب طويلة ... بدأ المحتشدون ينقسمون إلى مجموعات صغيرة تلتف حول الأسرى المحررين ... دارت عيناه كعيني صقر بينهم ... لم ير أبيه بينهم ... شعر بانقباض شديد ... كاد يختنق ... أراد أن يبكي لكنه زجر نفسه و تمالك بصعوبة ... تقدم من أحد المحررين واندس بين أهله الذين تحلقوا حوله ... اقترب منه حتى التصق به تماماً و سأله عن والده ... انحنى الأسير المحرر و حمله بين ذراعيه إلى أعلى ثم بدأ يغمره بالقبلات و الدموع ... ترك الأسير المحرر أهله ومستقبليه و سار معه صوب والدته بعد أن دله على مكانها ...
_ لقد تحفظوا عليه ... اطمأني ... قد يفرج عنه ضمن الأفواج التالية ... اصبري و لا تهتمي لشيء ... لن يهدأ لنا بال حتى يتم تحرير آخر سجين !

قبض يد أمه الباردة و أشار لإحدى السيارات ... عاد إلى المخيم مقتنعاً بأن خللاً كبيراً لازال قائماً ... لكنه رغم ذلك، طلب من زملائه ألا يزيلوا الصور و الشعارات التي زينوا بها الجدران !
* * *