Tuesday, May 8, 2007

!!! شروق

! لقهوتكم مذاق الدم ... فهي لحظة انبعاث شرفكم المزعوم ... أغبياء ! قتلة
نماذج رائعة للعار ... أتضحكون ؟! وصلتم أخيراً إلي واحة الشرف ، أعلى تلك الدروب الوعرة ؟ هكذا تظنون إذن ؟
اضحكوا ، فالحزن لا يليق بكم ... وجوه قبيحة ... لا ... ليست تلك بواحةٍ للشرف ... هويتم إلى هوة سخام سرمدية تتجمع فيها كل أوحال الحياة
حمقى ! تهيأوا إذن لمفاجأتي ... اعلموا أن أول قبلة من أنثاكم الطاهرة كانت لي ... لهذه الشفاه المتشققة ... كانت قبلة أولى ولم تنته بعد ! حملقوا كما تشاؤوا ... أرأيتم كم كنتم حمقى ؟ !
أنا الجدير الأوحد بالحزن عليها ... أخرسوا زغرودة الموت هذه ... لا تعكروا صفو موتها...
شروق ... آآآآآه ... سلموا أنفسكم لعدالتي ... لا تبتهجوا كثيرا لبطلكم المزعوم ... رأيته بالأمس يحمل سكيناً يقطر مسكاً ، ويسلم نفسه لمركز الشرطة المجاور ... صحيح أن رأسه كانت مرفوعة . لكن قلبه كان ميتا ... و رأيت عمامته تسقط ... لا تغتروا لابتسامته الأخيرة ... لم تكن حقيقية ... أنا الذي أعلم بما كان يشعر به حينئذٍ ... ألم أقل لكم أن أول قبلة تمنحها شروق كانت لي ... لي أنا ؟ !
أذكر بطلكم هذا أيام معارك الشرف الحقيقية ... جبان ... ظل ساكتاً متسمراً حتى يحضر الحراس السيف ليقطعوا رأسه !
كان أجبن حتى من أن يهرب ... و حينما انتهت تلك المعارك ، رأيته أول من يسترخي ... استرخى كل شيء فيه ... وضبطته إحدى الأجهزة الأمنية متلبساً بغلام ... و أغلق الملف سريعاً خوفاً من الفضيحة ... خرج يومها مجللاً بالعار ... فهل يحيله دم شروق إلى بطل ؟ ! أهو من جلب لكم شرفكم المفقود بطعنة لئيمة في قلب شروق ؟ !
اشربوا قهوتكم يا سادة ... صبوا المزيد منها و ابتسموا لكل من يأتي لمجاملتكم ... لن تخدعني ابتساماتكم ... فأنا أدرك أية أفكار تراودكم الآن ...
اشرب أيها الكهل العزيز ... أنت الأجدر باحتفال الموت هذا... لا تترك أحداً ينوب عنك في استقبال المهنئين ... لا تتنازل لأحد عن هذا الشرف العظيم ...
وأنت ! ابن عمها ؟ ! ارفع رأسك عالياً ... أعلى ... أعلى من ذلك ... امش بتبجح بين المهنئين بموت شروق ... إنه مهرجان المبايعة و التأييد ... أعلم بأن طعنتك كانت الأولى و القاضية... طعنتها و تركت لبطلكم المزعوم أن يكمل المهمة... أنت الأجدر بدور البطولة من ذاك الأرعن ...
اشرب قهوتك العاشرة أو العشرين و دخن سيجارتك الألف ثم ابكِ في حضن زوجتك كطفل مذعور ...
و أنتم أيها المتفرجون .... ترددوا على الصيوان بين الحين والآخر ... هنا ستجدون ما تقولون ، و تتسلون به في أوقات فراغكم الطويلة ... هنا الإثارة في زمن بليد متحجر ...
هنا ستعلنون تمسككم بوصايا الأموات و تجددون البيعة لجثث متعفنة تحكمكم منذ قرون !
اشربوا المزيد من القهوة السوداء ، ثم عودوا إلى بيوتكم بما تتحدثون به إلى زوجاتكم المذعورات ... لعل فروج البقر المتسخة تستقبل أعضاءكم الذابلة !
كان يجب أن تصحبوا نساءكم معكم ... هكذا يكتمل الطقس المقدس ... كان يجب أن يلعقن من دماء شروق قبل أن توارى الثرى !
و أنتم حراس الجريمة ... ما علاقة الأزرق الذي تتدثرون به بلون البحر أو السماء ؟ ! لم غبتم عن المكان في تلك الساعة اللعينة ؟ ! اشرب قهوتك أيها الضابط الأحمق ... لا تختلس الحديث سراً مع عمها العجوز الخرف ...
تواطؤ ... تواطؤ ... تواطؤ ...
غبتم عن قصد ، و تأخرتم في الحضور عن قصد ... الزمن الفارق بين دعوتكم ووصولكم هو بالضبط ما احتاجه القتلة ... الضربات كانت قاسية ولم يتركوا للصدف أن تعابثهم ...
أما كان بالإمكان تجاوز كل هذا الذي حدث ؟ لماذا فرضتم عليها الزواج من ذاك المقبل على الموت بين لحظة و أخرى ؟
استكثرتم أن ينعم بجمالها أحدٌ من خارج القبيلة ... و حين حسم زوجها خياره بالرحيل ، تحررت من جديد ... موت البعض حرية لآخرين ! عاشت عقداً كاملاً في حالة غروب ... وعشقت ... عفواً أصحاب الطقس البدائيّ الرهيب ... لا أجرؤ أن أعلن هذه الكلمة الخبيثة في حضرتكم ... لقد أشركت بالله ... سنتان و هي تمارس الشرك مع إلهها الجديد ... علمتم ذلك مبكراً ، لكنكم تواطئتم بالصمت المشبوه ... كنتم تتهيأون لطقوس الموت القادم ...
قابلتها قبل رحيلها بأيام قليلة ... كانت تهيئ بيتها الصغير لشهر رمضان ... و حين لمست كفها البيضاء كفي الخشن ... ارتعشت ، و شعرت بالموت يحيط بنا ... رائحة الموت طافت فوق رأسينا سحابات سحابات ، ثم تخثرت وانهمرت دموعاً من عينيها الخضراوتين ...
كدت أحتضنها في السوق أمام الجميع ... أحسست أن كل خطوة تخطوها ، تقربها من موتها ... راقبوها من بعيد ... رأوها تتوقف لمصافحتي ... لم يجرؤ أحدٌ منهم على مساءلتي... حياني بطل الشرف القادم بابتسامة خبيثة و تبعها بسرعة ... رأيت الموت في عينيه ، فما كان لمثلي أن يمرّ بالموت دون أن يحسه !
و لم أفاجأ بالخبر ... انتظرت حتى انتهوا من إجراءات الدفن السريعة ، و تسللت إلى المقبرة وحيداً ... جثمت أمام قبرها ... منحتني ذات مراهقة أول قبلة في حياتها ... اسمحي لي أن أمنحك آخر قبلة ... لم أدر كم مضى من الوقت ... جرجرت ساقيّ بين القبور ... و أمام بوابة المقبرة توقفت ... بصقت ورمقت قبرها للمرة الأخيرة ... لقد استحقوا منك بصقة كبيرة... أتركي لي هذه المهمة يا شروق ..
وقررت الذهاب إلى " مهرجان الشرف الكبير" ... شربت قهوتهم جميعاً ... كان يجب أن أذهب إلى هناك ... لم يكن هدفي العزاء كالآخرين ... بالعكس ... كان يجب أن يكون وسط هؤلاء المحتفلين من يشق إجماعهم المتآمر

* * *

No comments: