Wednesday, May 2, 2007

!!!!!!!!! اقتحامان

* الأول :_
كان الاشتعال شاملاً ولا أحد يمكنه قراءة ما ستئول إليه الأوضاع … حاصرت المدرسة قوات كبيرة من جنود الإحتلال عددٌ منهم جلسوا فوق سور المدرسة مدججين بالأسلحة و الهراوات … و داهمت مجموعة أخرى باحة المدرسة … اعترضهم الناظر و عدد من المعلمين في محاولة يائسة لمنعهم من دخول الفصول … لم يعيروهم أي اهتمام … أخبروا الناظر بأن هناك طالب يدعى " طارق " ألقى حجراً عليهم و شج رأس أحد الجنود … و هددوا بأنهم لن يغادروا حتى يعتقلوه مهما كلفهم الأمر …
انسل أحد المعلمين باتجاه أحد الفصول مسرعاً ... أمسك " طارق " من ذراعه و سحبه نحو المكتبة و هناك أخفاه في إحدى الخزانات …
لم يترك الجنود مكاناً لم يفتشوه … تأملوا وجوه الطلاب واحداً واحداً … وانتقلوا من فصل لآخر بهمة و إصرار … وصلوا إلى المكتبة في نهاية الرواق … تسمر المعلم في مكانه و بدأ يبتهل إلى الله بصمت كي ينقذ "طارق" و يعمي عيونهم عنه …
حطموا كافة أبواب الخزانات حتى عثروا عليه مكوماً في إحداها و قد غرق في عرقه البارد !
انتزعوه بعنف و هجم عليه أحد الجنود و بدأ يضربه بقسوة … لم يطق المعلم صبراً … هجم على الجندي الذي كان يلف رأسه بشاش أبيض … دفعه جانباً واحتضن الطفل بجسده … كاد جنود آخرون أن يطلقوا النار عليه لولا تدخل الضابط الذي لذ له المشهد … تقدم بهراوته وشج بها رأس المعلم ثم انتزع جسده عن الطفل وطرحه أرضاً لينهال عليه عدد من الجنود بالضرب المبرح … اعتقل الطفل في معتقل " أنصار 2 " ثم أفرج عنه بعد دفع غرامة مالية كبيرة … وظل الشج العميق أعلى عين المعلم اليمنى ذكرى أليمة تذكر الجميع بذلك الاقتحام الهمجي لسنوات طويلة !

* الثاني :_
بدت الهزيمة شاملة أيضاً … الإنحدار يطال كل شيء … الأيادي الغليظة التي تبني العالم الجديد تواصل بشاعتها وغيِّها … عدد الأطفال العراقيون الذين يموتون جوعاً وبرداً و مرضاً يتضاعف ولا ذنب لهم إلا أنهم ولدوا في زمانٍ ومكانٍ خاصين !
خرجت الجماهير في تظاهرات حاشدة لتعيد إلى الأذهان فوراً ذكريات الانتفاضة الأولى … عدة سنوات مضت تحولت الانتفاضة خلالها إلى مجرد ذكرى غابرة … جزء من تاريخ مهمل يجري تشويهه !
تدافع الطلاب خارج المدرسة و هم يهتفون للعراق… ارتفعت بعض الأعلام العراقية و الفلسطينية التي كانت مخبأة في حقائبهم استعداداً للتظاهرة … تجمعوا في الساحة لينظموا صفوفهم قبل الخروج إلى الشارع العام …
تحسس المعلم آثار الشج العميق أعلى عينيه … وتذكر ذلك الاقتحام الهمجي … لازال الجرح يزين جبهته كقلادة فريدة… تابع بعينيه المغرورقتين بالدموع ، الأطفال و هم يعبرون عن رفضهم لعالم لا يتقن إلا صناعة أكفانهم!
و قبل أن تصل المسيرة إلى الشارع ، اقتحمت المدرسة عدة سيارات من شرطة مكافحة الشغب … هبط الرجال المسلحون بالهروات و الدروع … بدأوا بالصراخ في وجوه الأطفال عبر مكبرات الصوت طالبين عودتهم إلى فصولهم … و تطاول بعضهم ، فاعتدوا بالضرب على عدد من التلاميذ الذين أخذتهم الحمية و قرروا التصدي لهم …
ورآه ! ذهل وتقدم نحوه مشدوهاً !
كان يتزين بهراوة كبيرة و يتنقل بين الطلاب بخفة ونشاط… مادت الأرض تحت قدميه …
_ طارق ! تمتم بصوت ذاب وسط الصرخات التي ملأت المكان … اقترب منه حتى صار إلى جواره تماماً … ربت على كتفه … فوجئ الأخير به أول الأمر ، ثم بادره بصرامة وحدة أربكت المعلم :
_ نعم … أية خدمة أستاذ ؟ !
_ ما هذا الذي تفعلونه ؟ أتركوهم ليعبروا عن رأيهم !
_ نعم ! ماذا تقول ؟ أنت من يحرضهم على الشغب إذن !
تراجع المعلم مصعوقاً لهذا التجاهل و البرود …
انسل بين المحتشدين و توجه إلى المكتبة … تحسس الشج العميق … داهمه ألمٌ غريب في رأسه … شعر بأن الجرح يتقرح و يتسع و يتعمق … داهمته فكرة أرعبته … ثمة هوة سحيقة بين زمنك و بين هذا الزمن اللعين …
تحسس الجرح مرة أخرى ثم بصق بمرارة … بصق و كأنه يبصق تاريخاً بأكمله !

* * *

1 comment:

Mona_Elfarra said...

heartbreaking to read this story , the heros of
the1st intifada , are the oppressors of the second intifada,Iraqi geopolitics and occupation of Iraq is not different from what is happening in Palestine , occupiers are the same , either Americans or Israelis ,their tools are the same tools in Plestine or Iraq,the goal is the same ,more feeding of the capitalism with its new global face ,masked by the, promised , infamous prosperity of big coroprate companies , it is time for tariq and his fellows , to know before it is late that not every thing glitters is gold
the future is ours , one day we shall overcome , and the teacher will be proud not disappointed