Tuesday, May 1, 2007

!!! احتفاليه لم تتم

بدا متألقاً بين أقرانه ... مشاعر بطولة تدغدغ أحاسيسه و تجعله ينظر إليهم بشيء من الاستعلاء ... و بأن أي خطأ مسموح به له نظراً لحالته الخاصة ... كل من حوله يعلم بقرار الإفراج عن والده السجين منذ ثماني سنوات في السجون الإسرائيلية ...
تسعين شهراً و هو يزوره هناك ، ويحلم بذاك العالم المغلق الغامض ... لم تكن أحلامه تنتهي مع قدوم الصباح ... ينقلها إلى زملائه مبالغاً في وصف أحداث و حكايات هي وليدة خياله فقط ... و لكي يضفي نوعاً من الصدق عليها ، كان ينسبها إلى والده أو إلى رفاقه في السجن!
ومع كل زيارة كان والده يبادره بالقول :
_ صرت رجلاً !
وفي إحدى المرات فاجأ والده بالسؤال :
_ هل تكبرون مثلنا داخل السجن ؟ ! و أثار هذا السؤال نقاشاً فلسفياً طويلاً بين المساجين .
اقترح أحد زملائه في الفصل جمع مبلغاً صغيراً من كل طالب لتزيين الفصل ابتهاجاً بحرية والده ...
لم ينم طوال الليلة الأخيرة ... " أخيراً سيتوقف هذا العناء ، وسيصبح لي أب مثل الآخرين ... سأطلب منه أن يشتري لي جميع الألعاب الموجودة في مكتبة الرائد ... و سأطلب منه أن يصطحبني إلى مدينة الملاهي التي يذهب إليها صديقي رامي مع والده كل يوم جمعة ... وسأجعله يجبر والدتي على التوقف عن الذهاب إلى مركز التموين و تسول الطحين و السكر والأرز ... ولابد أنه سيشتري لي ملابس جديدة بدلاً من هذه الملابس المهترئة التي تحاول إخفاء مصدرها عني ... سيتقدم منه المعلمون ليحيونه باحترام ، و سيجتمع زملائي في مكان قريب و ينظروا إليه بهيبة و يشيرون بأيديهم و عيونهم إلينا ! "
تراكضت الأفكار في رأسه الصغير حتى غدا النوم مستحيلاً ...
عند النقطة الحدودية الشمالية لقطاع غزة ... تجمع الأهالي من مختلف المدن و القرى والمخيمات لاستقبال أبناءهم المحررين... تأمل الوجوه القلقة ... رأى أطفالاً ينتظرون مثله... أحس بشيء من الغيرة لأن هناك من يشاركه نفس الفرحة ...
استبعد هذا الشعور و بدأ يتنقل بخفة و رشاقة بين الجموع المحتشدة ... يتعرف عليهم و يمازحهم و يشاركهم شتم أصحاب هذه الوجوه الحاقدة الذين يطوفون حولهم بخوف و حذر شديدين...
وصل الفرسان ... ترجلوا من الحافلات كجنود منتصرين عادوا بعد حرب طويلة ... بدأ المحتشدون ينقسمون إلى مجموعات صغيرة تلتف حول الأسرى المحررين ... دارت عيناه كعيني صقر بينهم ... لم ير أبيه بينهم ... شعر بانقباض شديد ... كاد يختنق ... أراد أن يبكي لكنه زجر نفسه و تمالك بصعوبة ... تقدم من أحد المحررين واندس بين أهله الذين تحلقوا حوله ... اقترب منه حتى التصق به تماماً و سأله عن والده ... انحنى الأسير المحرر و حمله بين ذراعيه إلى أعلى ثم بدأ يغمره بالقبلات و الدموع ... ترك الأسير المحرر أهله ومستقبليه و سار معه صوب والدته بعد أن دله على مكانها ...
_ لقد تحفظوا عليه ... اطمأني ... قد يفرج عنه ضمن الأفواج التالية ... اصبري و لا تهتمي لشيء ... لن يهدأ لنا بال حتى يتم تحرير آخر سجين !

قبض يد أمه الباردة و أشار لإحدى السيارات ... عاد إلى المخيم مقتنعاً بأن خللاً كبيراً لازال قائماً ... لكنه رغم ذلك، طلب من زملائه ألا يزيلوا الصور و الشعارات التي زينوا بها الجدران !
* * *


1 comment:

Mona_Elfarra said...

moving short story , iam sorry i couldnot comment in arabic, idonot have arabic letters on my key board , every time i read talal short stories or novels , i feel that iam in the presence of palestine , palestine the history , the humans ,the daily life in the refujee camps ,the political prisoners , love, hate , anger , happiness ...marrige struggle , and above all the huminaisation of the palestinian people,and the hope for better future
please carry on writing ,carry on the great work you do inside your school and the capm, people like you will make the change one day
fromgaza with love