Friday, May 11, 2007

!!! طبيب و شاعره









حين قدمه مدير الندوة بلقب " دكتور " اعتقدت أنه دكتور في النقد الأدبي ... أسلوبه في نقد الرواية كان مثيراً مبدعاً ... و فوجئت في نهاية الجلسة بأنه طبيب ... لم يكن هذا مهماً _ على الأقل في البداية _ تعرفت عليه و أهديته ديواني الشعري الأخير ... شكرني بلطف و طلب مني أن أكتب اهداءً على الصفحة البيضاء ... لم أدري ما الذي دفعني للقول :
الأعزاء لا يكتب لهم إهداء... لأنهم سيجدونه بين سطور الكتاب!
رمقني بإعجاب ، فارتبكت قليلاً ثم تمالكت نفسي و بادلته الابتسامة محاولةً أن تكون مثيرة !
اللقاء بيننا كان رائعاً ... فهذه هي المرة الأولى التي أقترب فيها من طبيب ... وربما تكون المرة الأولى التي يتعرف فيها إلى شاعرة ...
لم يشكو من زوجته _ كما هي عادة الرجال دائماً _ ... فاجأني بالقول بأنه يحبها جداً و لا ينوي تركها تحت أي ظرف من الظروف ... كما صرح بحبه لي ... وأحببته ... لا أستطيع أن أنكر هذا رغم كل ما حدث فيما بعد ...
كان يمتلك شقة فاخرة في المدينة ... ثراؤه لم يكن بسبب مهنته المميزة ... بل لأصوله الأرستقراطية و امتلاكه لعشرات الدونمات من الأرض التي ورثها عن والده ...
قدمت له نفسي ... كنت أبحث عن رجل يعيد اكتشافي من جديد... رجل يصل بفكري و أحاسيسي إلى مناطق نائية لم أصلها من قبل ! و يجعلني في حالة شوق و حنين دائمين ...
لا أعلم هل كان يفحصني كمريضته ... أم أنه تعامل معي كجثة مسروقة من مقبرة و جلبها إلى المشرحة ليجري عليها دراساته...
و في لحظة العري تلك ... تخيلته يحمل سماعته و ينقلها بحياد قاتل فوق صدري لينصت بحياد إلى نبضات قلبي ... انتهينا بسرعة ... تأملت جسده و هو يرتدي ملابسه بسرعة ... وتخيلت من جديد أنه سيفتح دفتره الخاص ليكتب لي وصفة طبية !
غادرني و طلب مني إغلاق الشقة و الاحتفاظ بالمفتاح معي ، ولم ينسَ أن يوصيني بشرب الكثير من السوائل !
لعلها المهنة التي يمارسها ... حتى في الفراش أراد أن يكون طبيباً ! و إذا أضيف إلى هذا أصوله الأرستقراطية ، فلابد أن يكون المركب حالة نادرة تستعصي على الفهم و الإدراك ...

لكني شاعرة ، و الشاعرة في مجتمعنا هذا حالة نادرة أيضاً ... لدي من الإمكانيات ما يفوقه بكثير ... لماذا أحشر نفسي في هذه الزاوية المظلمة ؟ سأعود إلى صحراويتي و بداوتي وسألقنه درساً لن ينساه ...
التقيته عدة مرات ، لكني رفضت اللقاء به في شقته لعدة أيام ، ثم بدأت أقلل من ردودي على مكالماته الهاتفية حتى توقفت عن ذلك تماماً ... و علمت فيما بعد كم كان يحبني ... علمت بأنه قد انقطع عن دوامه في المستشفى ... ثم توقف عن الذهاب إلى عيادته الخاصة ... أرسل لي إحدى الصديقات ، لكني لم أستجب ... مرّ بسيارته من شارعنا ، لكني لم أعره اهتمام ... كنت أشعر بحنين جارف إليه ... لكني كنت أفرغ هذا الحنين على الأوراق ... ألم يقولوا بأن الورق مطفأة الذاكرة ؟ !
أيام طويلة مضت دون أن أراه ، و جاءت اللحظة الأكثر ألماً ، الأكثر جنوناً و سخرية ... رأيته يهبط من سيارته قرب منزل إحدى العرافات ... صعقت و أحسست بمعنى الخراب الجميل... كان يجب أن يعلم بأن العشق يلغي المسافات و لا يعترف بثقافة أو شهادة أو ثراء ... ها هو الطبيب يموت ... "أما نحن الشعراء فلا نموت أبداً ... لعلنا نتظاهر بالموت فقط

* * *


No comments: